رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يلقي كلمة هامة أمام الوفود المشاركة خلال اليوم الأول من أعمال المؤتمر السّابع لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنعقد في القاهرة
انطلقت أعمال المؤتمر السّابع لدور وهيئات الإفتاء في العالم المنعقد في القاهرة صباح يوم الاثنين الماضي 17أكتوبر ، تحت الرعاية السامية لفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبحضور ومشاركة وزراء وعلماء ومفتين ومختصين من 90 دولة حول العالم.
وأثناء جلسة الوفود ألقى رئيس المجلس كلمة قيمة أشاد فيها بالوجه الحضاري المشرق لمصر عبر التاريخ، وبالعلاقة العريقة التي تربط بين الشعبين الشقيقين الموريتاني والمصري قديما وحديثا.
كما عبر عن حرص قائدي البلدين؛ فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي على استمرار هذه العلاقة الطيبة والمثمرة بين البلدين الشقيقين.
وقال الدكتور إسَلْمُ ولد سيد المصطف/ رئيس المجلس إن تنظيم هذا المؤتمر وموضوعاته وأهدافه خير دليل على أن مصر ما تزال ولله الحمد تأخذ دورها الريادي التاريخي؛ دورها العلمي ودورها الإسلامي العربي الإفريقي.
وفي معرض حديثه عن موضوع المؤتمر تطرق رئيس المجلس إلى أهمية الفتوى الصحيحة ودورها الفعال في تحقيق مظاهر وقيم استخلاف الإنسان في الأرض، وقال إن ذلك هو -في الواقع-المعنى الحقيقي للتنمية المستدامة.
وفي المساء من نفس اليوم، عقد رئيس المجلس بفندق الماسة بالقاهرة جلسة مباحثات مع فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم علام/ رئيس دار الإفتاء المصرية.
وقد تناول الشيخان الحديث عن بعض القضايا المتعلقة بالفتوى، من جهة، وآفاق التعاون بين المؤسستين، من جهة أخرى، حيث تم الاتفاق المبدئي على اتخاذ كل الإجراءات والسبل العملية الكفيلة بتحقيق ذلك.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها رئيس المجلس أمام الوفود المشاركة في هذا المؤتمر:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور: شوقي إبراهيم علام، مفتي جمهورية مصر العربية الشقيقة، رئيس المجلس الأعلى لدور وهيئات الإفتاء في العالم؛
– أصحاب المعالي الوزراء؛
– أصحاب الفضيلة العلماء؛
– السادة رؤساء الوفود المشاركة؛
– السادة المدعوون؛
أيها السادة والسيدات، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فإني أقدم –بادئ ذي بدء- كامل شكري وتقديري لصاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام على الدعوة الكريمة وعلى التبجيل والتكريم الذي كنت موضوعا له منذ وطئت قدماي أرضنا هذه؛ أرض الكنانة: مصر الحبيبة، مصر الخير والعلم والسخاء والتاريخ، معقل العروبة والإسلام، ومجمع التراث الإنساني.
ولا غرابة فيما تمت إحاطتنا به من تبجيل وتكريم، فالعلاقة بين الشعبين الشقيقين الموريتاني والمصري ضاربة في أعماق التاريخ، فقد تلقى العلماء الموريتانيون القدامى العلم في الجامع الأزهر ومارسوا به التدريس والإفتاء مثل أبناء ميابى ومحمد محمود ولد اتلاميد. وكان ذلك كذلك في العصر الحديث، فعندما استقلت موريتانيا تدفقت عليها البعثات العلمية المصرية فكونوا وعلموا وأرشدوا ووجهوا.
وكان المركز الثقافي المصري في نواكشوط يعد أكبر المراكز الثقافية في المنطقة، وقد قاد بجدارة عملية تعليم الشباب وتوعيته، لهذا نرى قائدي بلدينا؛ فخامة الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني، وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي حفظهما الله تعالى يحرصان على علاقات خاصة متميزة ومستدامة بين البلدين والشعبين الشقيقين.
صاحب الفضيلة:
إن هذا المؤتمر؛ تنظيمه وموضوعاته وإبداعاته لهو خير دليل على أن مصر -ولله الحمد-لا زالت تأخذ دورها الريادي التاريخي، دورها العلمي ودورها الإسلامي ودورها العربي والإفريقي ولا تزال كذلك إن شاء الله لأنه جلت قدرته يستحي أن ينزع البركة من موضع قد جعلها فيه. وإن اختيار ربط التنمية المستدامة بالفتوى الشرعية لهو دليل كذلك على التلازم الدقيق الدائم بين أصالتها ومعاصرتها، بين العمق العقدي والحاضر التنموي والمستقبل الواعد.
فالفتوى بوصفها إخبارا دائما متجددا عن الله سبحانه وتعالى هي أكثر ما يحتاجه العالم اليوم سيما إذا كانت معتدلة جماعية، مؤسسية لتواجه ظاهرة الفتاوى الشاذة المتطرفة التي أحرقت الأخضر واليابس. فهي وحدها بتلك الأوصاف -الجماعية والاعتدال-التي تحقق معنى الاستخلاف في الأرض بأوجهه المختلفة من إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وتعمير الأرض وإقامة العدل.
والواقع أن العمل بمجمل النصوص القرآنية والنبوية التي تبين الإرادة الكونية في استخلاف الإنسان في الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ …} وتوضح الربط بين أصل النشأة الإنسانية ومهمته في الأرض: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، وتأمر بالعمل: {فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ…}، وترشد إلى تسخير الكون للغايات الإنسانية : {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ…}، {هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا}، وتلفت الانتباه إلى الأجيال القادمة: {وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وتنهى عن الفساد في الأرض: {وَلَا تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا ۚ }، مخبرة أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده: {إِنَّ ٱلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}.
أقول: الواقع أن العمل بهذه النصوص منطوقا ومفهوما في إطار مقاصدي صحيح، وواقع ضاغط يراعي الاستطاعة ورفع الحرج والتيسير وأمن الأمة وأمانها، وفاعليتها في العالم الإنساني ودورها وواجبها في توجيهه والحرص على أمنه وبقائه آمنا مطمئنا لهو المعنى الحقيقي للتنمية المستدامة الحقة بمختلف أنواعها وأوجهها، التنمية البشرية عقليا وروحيا وبدنيا، التنمية الاقتصادية كفاية ورفاهية، والتنمية الاجتماعية تآزرا وتآلفا، تنمية مستدامة تحرص على هذه الحياة حاضرها ومستقبلها، وتوفر الزاد المطلوب للحياة الأبدية الأخرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبرمكاته.
القاهرة، 17 أكتوبر 2022
الدكتور/ إسلمُ ولد سيد المصطف
رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بموريتانيا