في حكم زيارة الشابة للمقبرة

الفتوى رقم: 486/ 2022م: في حكم زيارة الشابة للمقبرة

 السؤال: ملخص الاستفتاء: يقول السائل: ما حكم زيارة الشابة للمقبرة؟

وإذا كان القبر الذي تنوي زيارته وسط المقبرة وتحيط به قبور أصحابها غير محارم لها فماذا تفعل حينئذ؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛

وبعد: فقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل قال له: “إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم” قالت: قلت كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي: “السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون”. [أخرجه مسلم].

قال الأبي في شرحه لصحيح مسلم عازيا إلى النووي قوله: قولي: السلام على أهل الديار إلى آخره فيه استحباب هذا القول لزائر القبور، وفيه أن المؤمن والمسلم مترادفان لأن غير المؤمن إن كان منافقا لم يجز السلام والترحم عليه، ويحتج به من يجيز للنساء زيارة القبور، وفيه لأصحابنا ثلاثة أوجه: التحريم لحديث: “لعن الله زوارات القبور”، والكراهة والإباحة لهذا الحديث.[1]

ونص كلام النووي: وفيه دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور، وفيه خلاف للعلماء وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا: أحدها تحريمها عليهن لحديث: “لعن الله زوارات القبور”، والثاني يكره، والثالث يباح، ويستدل له بهذا الحديث وبحديث: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها.” ويجاب عن هذا بأن نهيتكم ضمير ذكور فلا يدخل فيه النساء على المذهب الصحيح المختار في الأصول والله أعلم.[2]

وقال الحطاب في مواهب الجليل عازيا إلى المدخل إنه قال: وقد اختلف العلماء في خروجهن على ثلاثة أقوال: بالمنع والجواز على ما يعلم في الشرع من الستر والتحفظ عكس ما يفعل اليوم، والثالث الفرق بين الشابة والمتجالة، واعلم أن الخلاف في نساء ذلك الزمان، وأما خروجهن في هذا الزمان فمعاذ الله أن يقول أحد من العلماء أو من له مروءة أو غيرة في الدين بجوازه. انتهى.

إلى أن قال: وقال سيدي عبد الرحمن الثعالبي في كتابه المسمى بالعلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة: “وزيارة القبور للرجال متفق عليها، وأما النساء فيباح للقواعد ويحرم على الشواب اللواتي يخشى عليهن من الفتنة”.[3]

وقال الزرقاني في شرح مختصر خليل ممزوجا بمتن الشيخ خليل: “وجازت زيارة القبور بل هي مندوبة بلا حد بيوم أو وقت وظاهر المصنف شمولها للنساء، وقال التتائي: ينبغي أن تجري زيارتهن على حكم خروجهن، أي المتقدم وبه جزم الشيخ سالم مسقطا لفظ ينبغي وزاد وأخذ بعضهم اختصاص الزيارة بالرجال دون النساء من قوله عليه الصلاة والسلام: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها” بناء على الأصح عند الفقهاء والأصوليين من عدم دخولهن في خطابهم. اهـ. أي لا على مقابل الأصح ولا على ما للغويين من تغليب المذكر إذا اجتمع مع مؤنث والأحسن الاستدلال على منعهن بخبر: “ارجعن مازورات غير ماجورات” وهذا في الزمن القديم فكيف بهذا الزمن كما في المدخل”[4]

وحكم خروجهن المتقدم هو ما ذكره الشيخ خليل في فصل الجماعة، قال الشيخ خليل ممزوجا متنه بالشرح الكبير:” وجاز خروج متجالة لا أرب للرجال فيها غالبا لعيد واستسقاء والفرض أولى، وجاز خروج شابة لمسجد لصلاة الجماعة ولجنازة أهلها وقرابتها بشرط عدم الطيب والزينة وألا تكون مخشية الفتنة وأن تخرج في خشن ثيابها وألا تزاحم الرجال وأن تكون الطريق مأمونة من توقع المفسدة وإلا حرم.”[5]

وهكذا يتضح أن في المسألة ثلاثة أقوال في مذهب الإمام مالك: المنع والجواز والفرق بين الشابة والمتجالة أو تجري على حكم الخروج إلى المسجد، وهذا إذا توفر للزائرة الستر والتحفظ وهي الشروط التي فصلها الدردير في الشرح الكبير.

وعليه فيتعين على من قلدت القول بالجواز توفر تلك الشروط بكاملها.

أما إذا كان القبر الذي تنوى زيارته تحيط به قبور أصحابها غير محارم فقد ذكر بعض أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها لما دفن عمر رضي الله عنه في حجرتها كانت لا تزور النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر إلا محتجبة، ونظم في ذلك بعضهم:

كانــت إذا زارت أباها والـــنبي            عائـــشة زارت ولم تـــحتجب

واحتجبت من بعد ذا لما طرا               على الضريحين ضريح عمرا

                                          خلاصة الفتوى:

خلاصة الفتوى: أن أهل المذهب اختلفوا في زيارة النساء للمقابر على ثلاثة أقوال: المنع والجواز والتفريق بين الشابة والمتجالة، وعلى القول بالجواز فيتعين عدم الطيب والزينة، وألا تكون مخشية الفتنة، وأن تخرج في خشن ثيابها، ولا تزاحم الرجال، وأن تكون الطريق مأمونة من توقع المفسدة.

  والله الموفق.

 

 


—————————-

[1] – ج3، ص393.

[2] – ج7، ص44 ط دار الفكر.

[3] – مواهب الجليل: ج2، ص280، ط: دار الفكر.

[4] – ج2 ص105.

[5] – ج1 ص336.

زر الذهاب إلى الأعلى