توضيح من المجلس الأعلى للفتوى والمظالم

نشر القاضي سيد محمد ولد محمد الأمين باب مقالا على بعض المواقع ادعى فيه أن المجلس الأعلى للفتوى والمظالم أصدر فتوى تحرم الهجرة إلى بلاد الكفر طلبا للرزق بحجة أن تلك البلاد يغلب عليها طابع المعاملات المحرمة، والفتاوى التي يصدرها المجلس تكون جوابا لسؤال محدد؛ فقد سئل المجلس عن حكم الهجرة إلى البلدان غير المسلمة طلبا للعمل بالنسبة للشباب الذين يبحثون عن رواتب كثيرة قد لا تتوفر في بلادهم؟

وقد أجاب المجلس على هذا السؤال بالفتوى رقم 614/ م. ا. ف. م (2023/072م) الصادرة بتاريخ:2023/08/07م، وخلاصتها: أنه لا حرج في السفر إلى بلاد الغرب أو غيرها من بلاد الكفر إن كان المسلم يأمن فيها على دينه ويتمكن من إقامة شعائره، ويجب احترام الضوابط النظامية المتبعة في الدخول والخروج.

كما سئل المجلس عن العمل في المطاعم في الولايات المتحدة التي فيها موائد الخنزير ولا بد للعامل فيها من تهيئتها وتنظيمها للزائرين،  وعن العمل في المراكز التجارية التي تبيع من بين ما تبيعه الخمور، والعامل فيها لا يمكنه أن يفرق بين الخمر وغيره في العمل فهل يمكن الترخيص بالعمل في هذه المطاعم والمتاجر الموصوفة؟

فأجاب المجلس عن هذا السؤال بالفتوى رقم 639/ م. ا .ف .م (2023/059م ) الصادرة بتاريخ:2023/10/24م،  وخلاصتها : أن من هاجر إلى بلد يظن أنه يجد فيه عملا حلالا ولم يجده فيلنصرف إلى غيره فإن الحلال -والحمد لله- كثير وإن لم يستطع أن ينصرف إلى غير ذلك البلد فيجوز له من ذلك العمل المحرم ما يسد به ضرورته.

 

وإليكم نقدم الفتويين كاملتين:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الفتوى رقم: 614/ م.أ.ف.م (2023/072م)

الموضوع: الهجرة إلى البلدان غير المسلمة طلبا للعمل

السؤال:ما حكم الهجرة إلى البلدان غير المسلمة طلبا للعمل بالنسبة لنا معاشر الشباب الذين نبحث عن رواتب كبيرة قد لا تتوفر في بلادنا؟

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛

أما بعد: فإنّ الهجرة إلى بلاد غير المسلمين للعمل أو الدّراسة يختلف حكمُها باختلاف حال البلد الذي يُهاجرُ إليه المسلمُ؛ فإن كانت بلاد حربٍ لا يستطيع المسلم فيها إقامة شعائر دينه، ولا يتمكّن من تربية أبنائه على الإسلام وجب على المسلم إن كان فيها أن يهاجرَ إلى غيرِها، وإن كان خارجَها حرُم عليه أن يهاجر إليها، فلا يجوز للمسلم أن يقيم في بلد يخاف فيه على دينه الفسادَ أو على نفسِه التلَف، ولا أن يهاجر إليه، قال الله تعالى: ﴿اِنَّ اَ۬لذِينَ تَوَفّ۪يٰهُمُ اُ۬لْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِےٓ أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْۖ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِے اِ۬لَارْضِۖ قَالُوٓاْ أَلَمْ تَكُنَ اَرْضُ اُ۬للَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَاۖ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَأْو۪يٰهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً اِلَّا اَ۬لْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ اَ۬لرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَٰنِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةٗ وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاٗۖ فَأُوْلَٰٓئِكَ عَسَي اَ۬للَّهُ أَنْ يَّعْفُوَ عَنْهُمْۖ وَكَانَ اَ۬للَّهُ عَفُوّاً غَفُوراٗۖ وَمَنْ يُّهَاجِرْ فِے سَبِيلِ اِ۬للَّهِ يَجِدْ فِے اِ۬لَارْضِ مُرَٰغَماٗ كَثِيراٗ وَسَعَةٗۖ ﴾ [النساء: 97-100].

ففي الآيات وعيدٌ شديدٌ لمن رضيَ الإقامةَ في موطنٍ يُذَلُّ فيه، إلّا إن كان عاجزا عن الانتقال عنه، فإنّه معذور بضعفه معفوٌّ عنه لعجزه:﴿ فَأُوْلَٰٓئِكَ عَسَي اَ۬للَّهُ أَنْ يَّعْفُوَ عَنْهُمْ﴾.

وأمّا إن كانت البلادُ بلادَ عهدٍ مع المسلمين، يأمنُ فيها المسلم على نفسه وماله، ويتمكّن من إقامة شعائر دينه ومن تربية أبنائه وأهله على الإسلام، فلا حرج في الإقامة فيها ولا في الهجرة إليها، فقد أذِن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم لأصحابه في الهجرة إلى بلاد الحبشة، فعن أمِّ سلَمَةَ زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: “لما ضاقت علينا مكة، وأوذِي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَنعَةٍ من قومه ومن عمِّه، لا يَصِل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بأرض الحبشة ملكا لا يُظلَمُ عندَه أحدٌ، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه” ، فخرجنا إليها أرسالا، حتى اجتمعنا، فنزلنا بخير دار، وإلى خير جار (النجاشي) فآمننا على ديننا، ولم نخش منه ظلما وعبدنا الله، لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه”وقد أقاموا فيها ما شاءوا ولم يأمُرْهم صلى الله عليه وسلّم بتركِها بعد هجرته إلى المدينة، حتَّى قدِموا منها بعد سنين باختيارهم.

وخلاصة الفتوى أنّه لا حرج في السفر إلى بلادِ الغرب أو غيرها من بلاد الكفر إن كان المسلم يأمن فيها على دينه ويتمكّن من إقامة شعائره.

ويجب احترام الضوابط النظامية المتبعة في الدخول والخروج.

والعلم عند الله تعالى.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الفتوى رقم:639/ م.أ.ف.م (2023/059م)

بتاريخ: 2023/10/24م

الموضوع: البيوع

السؤال: استفتاء وارد من الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص فرص العمل المتاحة هناك.

يقول أصحابه: جئنا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وقد كانت الأعمال شبه الشرعية بل الشرعية متوفرة فيها لدى التجار العرب، فكثر عليهم الوافدون الموريتانيون الباحثون عن العمل، فسادت البطالة بسبب ذلك في الوقت الذي يتحمل فيه الشخص إيجار السكن، والمعاش دون وجود أي مساعدة من أحد، بل إن  منهم من لا يجد مسكنا فيضطر لبعض المطاعم التي فيها موائد الخنزير، و لابد للشخص من تهيئتها وتنظيمها للزائرين، أو مراكز تجارية للمواد الغذائية، غير أنها تباع معها الخمور، وملاكها لا يقبلون من الشخص التفريق بينها وبين المواد الأخرى.

هل هناك رخصة للعمل في مثل هذه الأعمال المشبوهة أم لا؟ نرجو التفصيل والتوضيح في الموضوع.

الجواب:الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛

أما بعد: فإنّ الكسب الحلال الذي يعيش به المرْءُ، وينفِق على من أوجب الله عليه نفقتَه أمر بالغ الأهمّيّة في حياة المسلم، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِے اِ۬لَارْضِ حَلَٰلاٗ طَيِّباٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطْوَٰتِ اِ۬لشَّيْطَٰنِۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوّٞ مُّبِينٌۖ﴾[البقرة:167]، وقال تعالى: ﴿وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اُ۬للَّهُ حَلَٰلاٗ طَيِّباٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِےٓ أَنتُم بِهِۦ مُومِنُونَۖ﴾[المائدة:88]، فيجِب على المسلم أن يتحرّى الحلالَ في كسبه، وأن يتجنَّبَ الحرام، ولا يجوز له أن يهاجر إلى بلَدٍ يعُمُّها الحرام، ولا يوجدُ فيها كسبٌ حلالٌ، فذلك ليس ممّا يُطلَب به الغنى؛ فإنّ المال بيد الله، وما عند الله لا يُطلَب إلّا بطاعته، قال تعالى:﴿وَمَنْ يَّتَّقِ اِ۬للَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجاٗ  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُۖ وَمَنْ يَّتَوَكَّلْ عَلَي اَ۬للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ بَٰلِغٌ اَمْرَهُۥۖ قَدْ جَعَلَ اَ۬للَّهُ لِكُلِّ شَےْءٖ قَدْراٗۖ‏﴾[الطلاق: 2-3].

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: “إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته” [مسند البزّار]، وقال صلى الله عليه وسلّم: “الرزق أشد طلباً للعبد من أجله” [الجامع الصغير].

فمن هاجر إلى بلد يظُنّ أنه يجدُ فيه عملا حلالا، ولم يجِدْه فلينصرف إلى غيرِه، فإنّ الحلالَ – والحمد لله – كثيرٌ، ومن لم يستطع أن ينصرف إلى غيرِ ذلك البلد، فيجوز له من ذلك العمل المحرّم ما يسُدُّ ضرورتَه، وحد الضرورة هو ما يغلب على الظن وقوع الإنسان إن فقدَه في الهلاك، أو أن تلحقه مشقة لا يُطيقُ تحمُّلَها، فإذا لم يجد ما تزول به ضرورته إلا بعمل محرَم ، فلا حرج عليه فيه، قال تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُۥٓ إِلَّا مَا اَ۟ضْطُرِرْتُمُۥٓ إِلَيْهِۖ﴾ [الأنعام: 119]، وقال تعالى: ﴿فَمَنُ اُ۟ضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِۖ﴾ [البقرة: 172].

والعلم عند الله تعالى.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى