صناعة الفتوى (ح:02)
كيف يتعامل المُفتي مع النازلة؟
للنوازل في الفقه الإسلاميّ أهمية خاصة؛ ذلك أنَّ النّصوصَ محدودةٌ، والحوادث والوقائع جاريةٌ لا تتناهى، وفي عصرنا الحاضر تتجدد ألوان من العقود وأصناف من المعاملات لم نعهد لها نظيرا ولم نعرف لها شبيها، وفي الحكم عليها يتحير أولوا الألباب ويتوقف أولوا الأفهام.
وكثير من هذه المعاملات وافد على بلاد المسلمين، وقد نشأ في بيئة لا تعرف ميزان الشرع ولا التقيُّدَ بالأحكام، وهو ما يجعل من الصعب على كثير من أهل العلم والمفتين أن يتصوروه تصورا تاما يمكنهم من الحكم عليه.
من هنا كان التعامل مع النوازل المتجددة أمرا ليس سهلا، وليس بابه مشرعا لكل داخل لم يُهَيِّئْ لرجله قبل الخطو موضعها، بل يحتاج إلى أهل البصيرة بالأحكام.
وتتمثل معالجة النوازل المتجدّدة في المراحل التالية:
المرحلة الأولى: تشخيص المسألة المعروضة من حيث الواقع:
فإذا كان الأمر يتعلق بعقد ـ مثلا ـ يكون تشخيصه بالتعرف على مكوناته وعناصره وشروطه، وإذا تعلق الأمر بذات معينة كالنقود الورقية من أجل إصدار الحكم عليها فإن الباحث يجب عليه أن يتعرض إلى تاريخ العملات ووظيفتها في التداول والتعامل والتبادل وما اعتراها على مر التاريخ [يراجع مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات].
وهذه المرحلة الأولى (مرحلة التشخيص) هي التي تؤسس وتمهد لمرحلة الحكم و”تحقيق المناط” الذي هو تطبيق القاعدة المتفق عليها على آحاد صورها وجزئياتها، وهي مرحلة لا غنى عنها لأن “الحكم على الشيء فرع عن تصوره”.
وتشمل هذه المرحلة تَقَصِّي الحقائق المتعلقة بالشيء محلِّ البحث بجمع كلِّما يتعلق به من معلومات مع سؤال العارفين بالمجال، وبدون هذا التصور والتصوير يمكن أن يكون الحكم غير صائب؛ لأنه لم يصادف محلا، فإنّ كثيرا من حالات الخلاف بين الفقهاء في أحكام المسائل ترجع إلى التفاوت في قضية التصور والتشخيص أكثر مما ترجع إلى اختلاف في فهم النصوص الفقهية.
إذا فالخلاف هو خلاف في علاقة المسألة بتلك النصوص تبعا للزاوية التي ينظر إليها الفقيه من خلالها.
ثم إن تمت هذه المرحلة فإن مرحلة أخرى تبدأ، وسنتناولها في الحلقة القادمة بحول الله.
بقلم عضو المجلس: إبراهيم محمد الأمين (الكلّيّ)