في حكم الخلوة في السيارة مع غير المحرم

الفتوى رقم 485/ 2022م: في حكم الخلوة في السيارة مع غير المحرم

 السـؤال: ملخص الاستفتاء: يقول السائل: هل يجوز للرجل – غير المحرم – إذا صادف قريبة له أو جارة تبحث عن سيارة لتوصلها لمكان معين أن يحملها معه في سيارته الخاصة ليوصلها لوجهتها، مع العلم أنه إن تغاضى خشية الخلوة والريبة، فقد يذم لأن العرف الاجتماعي يقضي بخلاف ما أقدم عليه؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛

وبعد: فإننا نحيل السائل إلى فتوى في الموضوع سبق للمجلس أن أصدرها وهذه هي بكامل نصها:

الفتـوى رقم: 128/ 2014م

السؤال: السؤال: هل يجوز الاختلاء مع الأجانب بحجة أن الأعمال بالنيات وما الذي على الزوج إذا فعلت زوجته ذلك؟

الجــواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه؛

 أما بعد: فإن الخلوة تدل على الانفراد، يقال: خلا الرجل بصاحبه وإليه ومعه خلواً وخلاء وخلوة: انفرد به واجتمع معه في خلوة. واسْتَخْلَى به، وخَلا به، وإليه، ومعه، خَلْواً وخَلاءً وخَلْوَةً: سألَه أن يَجْتَمِعَ به في خَلْوَةٍ فَفَعَلَ[1].

والخلوة بالأجنبية من الأمور المحرمة شرعا، إذ وردت نصوص شرعية تنهي عنها وتحذر من الوقوع فيها خشية ما قد يترتب عليها من مفاسد، فقد روى ابن عباس رضي الله تعالي عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم”[2]. وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: “ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان[3]، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه محرم[4]. قال الإمام النووي: وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما فهو حرام باتفاق العلماء، وكذا لو كان معهما من لا يستحي منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك فإن وجوده كالعدم[5]،  فإن كانا بحضرة من هو من جنس أحدهما واحدا أو متعددا، وليس محرما بأن خلا الرجل بأجنبيات أو خلا عدد من الرجال بامرأة ففي جواز تلك الخلوة ومنعها اختلاف فصله الشافعية، وشهر النووي من شقيه الجواز في الصورة الأولى وهي خلوة الرجل بأجنبيات؛ قال النووي: ” ونقل إمام الحرمين وصاحب العدة في أول كتاب الحج في مسائل استطاعة الحج أن الشافعي نص على أنه يحرم أن يصلي الرجل بنساء منفردات إلا أن يكون فيهن محرم له أو زوجة، وقطع بأنه يحرم خلوة رجل بنسوة إلا أن يكون له فيهن محرم”[6]، لكن قال في موضع آخر: “والمشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالباً؛ لأن النساء يستحين من بعضهن بعضاً في ذلك “[7]، وقد نقل الحطاب عند قول خليل: “وينبغي أن يفرد وقتا أو يوما للنساء” عن القرطبي أنه قال في شرح قوله – عليه الصلاة والسلام – للنساء: “اجتمعن يوم كذا” . يدل على أن الإمام ينبغي له أن يعلم النساء ما يحتجن إليه من أمر أديانهن وأن يخصهن بيوم مخصوص لذلك، لكن في المسجد أو ما كان في معناه لتؤمن الخلوة بهن[8].

وذكر النووي تشهير المنع في الثانية حيث قال:” فإن خلا رجلان أو رجال بامرأة فالمشهور تحريمه؛ لأنه قد يقع اتفاق رجال على فاحشة بامرأة وقيل إن كانوا ممن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز”[9] . والمراد بالخلوة المحرمة: الانفراد بحيث يقع الاحتجاب عن الأنظار، أما الخلو ة بدون احتجاب فلا مانع منها خصوصا عند الحاجة، فقد جاء في صحيح البخاري: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها[10]، ولكن خلوه صلى الله عليه وسلم بها إنما كان في بعض السكك وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبا كما تفيده رواية مسلم، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها ولا ما دار بينهما من الكلام[11].

وقد جعل ابن حجر لهذا الحديث عنوانا بقوله: باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس، وعَقَّبَهُ بقوله: “لا يخلو بها حيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس”[12].

ومحل التحريم المذكور ما لم تلجئ إلى الخلوة ضرورة، وإلا عمل بمقتضاها كما يدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك، بل ربما تكون الخلوة بالأجنبية واجبة في حال الضرورة، كمن وجد امرأة أجنبية منقطعة في برية، ويخاف عليها الهلاك لو تركت[13].

وبناء على مقتضيات هذه النصوص الشرعية وأقوال العلماء فيها فإن المرأة لا يجوز لها الانفراد مع الأجنبي الواحد قطعا والأولي: اتقاء ذلك مع الأجانب المتعددين في المنازل أو المكاتب أو غير ذلك من المحال التي تغيب فيها الأشخاص عن الأنظار، ولا عبرة بخلو قلبها من الريبة لأن الباب مبني على سد الذريعة إلى الحرام.

 والله الموفق.

———-

[1] – القاموس المحيط ص :1280الناشر: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ولسان العرب ج14 ص:238الناشر: دار صادر – بيروت.

[2]  -متفق عليه.

[3] – سنن الترمذي ج4 ص:465الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ومستدرك الحاكم ج1 ض:197,الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.

[4] – المعجم الكبير للطبراني ج11 ص:191 دار النشر: مكتبة ابن تيمية – القاهرة المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي.

[5]  – شرح صحيح مسلم للنووي ج9 ص:109 الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت

[6] – – المجموع للنووي ج4 ص:277, الناشر: دار الفكر

[7] – المجموع للنووي ج7 ص:87 الناشر: دار الفكر.

[8] – مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ج6ص:124 ط: دار الفكر.

[9] – المجموع للنووي ج4 ص:277, الناشر: دار الفكر

[10] – صحيح البخاري ج7 ص:37 الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي) المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر.

[11] – فتح الباري ج9 ص:333 الناشر: دار المعرفة – بيروت، 1379رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب.

[12] – فتح الباري لابن حجر ج:9 ص:333رقم [5234] ا لناشر: دار المعرفة – بيروت، 1379رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

[13] – المجموع للنووي ج4 ص:278 الناشر: دار الفكر

زر الذهاب إلى الأعلى