اختتام المؤتمر العالمي الثاني لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي
اختتم مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي مؤتمره العالمي الثاني: «نحو الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية -المنهجية الحضارية، والتطبيقات الواقعية، وأخلاقيات الاستدامة» الذي عقد أول أمس: الثلاثاء في العاصمة أبو ظبي، على مدار يومين، بمشاركة وحضور أكثر من مائة وستين خبيراً ومختصاً في العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية من مفتين، وقانونيين، وأطباء، ومهندسين، وأكاديميين، ومفكرين، وعلماء فلك، ورواد فضاء، يمثلون خمسين دولة حول العالم.
وقد شارك المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في هذا المؤتمرممثلا برئيسه الدكتور إسلمُ ولد سيد المصطف، وذلك بدعوة كريمة من رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي العلامة عبد الله ولد بيه.
في ختام المؤتمر عبّر المشاركون عن خالص الشكر والامتنان لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة على رعايتها ودعمها الدائمين للمبادرات العلمية والإفتائية الرائدة التي تظهر سماحة الدين الحنيف، وتنشر قيم التسامح والاعتدال.
وقد تضمنت فعاليات المؤتمر خمس جلسات علمية، بالإضافة إلى الجلسة الافتتاحية، استهلت بكلمة تأطيرية قدمها العلامة عبد الله بن بيه/ رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي.
تناولت هذه الجلسات خمسة محاور:
1-الإفتاء في المستجدات العلمية: «نحو منهجية منضبطة ومستدامة تتفاعل مع الحاجات الإنسانية»؛
2-الفتاوى الشرعية في مجال الفضاء والمناخ واستيعابها للمستجدات العلمية؛
3-الفتاوى الشرعية في مجال القضايا الطبية واستيعابها للمستجدات العلمية؛
4-الفتاوى الشرعية في قضايا طب الأسرة واستيعابها للمستجدات العلمية؛
5-الفتاوى الشرعية في مجال الذكاء الاصطناعي واستيعاب مستجداتها الشرعية.
وقد بحثت المداخلات والحوارات بشكل معمق أبرز القضايا المعاصرة، والتطبيقات الواقعية للاستيعاب الشرعي في مجالات وميادين حيوية كالطاقة المتجددة، والجينوم البشري، وأداء العبادات في المركبات الفضائية، واللحوم المستنبتة، واستئجار الأرحام، وبنوك الحليب، وزراعة قلب الخنزير في جسم الإنسان، وزرع الشرائح الذكية، والروبوتات المستقلة، والمتاجرة بالبيانات الضخمة، وذلك عبر الاستنجاد بأدوات الاجتهاد الحضاري والمبادئ الشرعية العامة، والقيم الكونية، من أجل تحقيق استيعاب متزن للواقع.وفي البيان الختامي الذي قرأه الدكتور عمر حبتور الدرعي/ مدير عام مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، خلص المؤتمر إلى النتائج والتوصيات التالية:
1-زيادة الوعي، وتنمية الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا البيئة، والصحة، والطاقة المتجددة، والفضاء، ومواكبة مستجداتها، واستثمار الفتوى الشرعية في التوعية بهذه المسؤولية، واستحضار التشريعات والقرارات المنظمة لها، استناداً على المبادئ التي حث عليها ديننا الحنيف في تعاليمه، وتوجيهاته العامة، للمحافظة على مكونات البيئة وسلامة الإنسان، واستدامة الأمن واستدامة الأمن الغذائي دون إخلال بالتوازن البيئي.
2- إنشاء منصة عالمية افتراضية بإشراف مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وبمشاركة العلماء والخبراء المتخصصين من مختلف دور الإفتاء والمؤسسات الوطنية، لإجراء الأبحاث المحكمة، والدراسات المعمقة، والتجارب الميدانية، واللقاءات المعرفية حول القضايا العلمية المستجدة، فضلاً عن التعريف بـ :”وثيقة أبوظبي للمستجدات العلمية” التي أطلقها المؤتمر للتعامل مع المستجدات العلمية، وتعميمها، وترجمتها إلى اللغات العالمية، وتدريسها في الحقول التعليمية والمعرفية، واعتبارها أحد المصادر الحضارية في الجهات والمؤسسات الإفتائية.
3- إعداد مبادرات نوعية تهدف إلى رفع نسبة الوعي لدى أفراد المجتمع -بمختلف شرائحه- بأهمية الفتاوى، ومكانتها، وخطورتها، خصوصاً فيما يتعلق بفتاوى القضايا العلمية المستجدة، والتحذير من فتاوى الأفراد غير المؤسسية، والفتاوى المستوردة عبر مختلف المنصات الإعلامية والرقمية، لضمان وقاية المجتمعات وسلامتها، إضافة إلى عناية المؤسسات التعليمية، والأكاديمية، والجامعات بتصميم مساقات أكاديمية تؤسس لنظرية “الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية” وتطبيقاتها الواقعية بمختلف جوانبها النظرية والتطبيقية، بالتنسيق مع المؤسسات وجهات الإفتاء الشرعي.
4-تعزيز مَأْسَسَةِ الإفتاء الشرعي وحَوْكَمَتِهِ، والاستفادة من التجارب والخبرات الناجحة، وتعميق أواصر التعاون بينها، وتصميم المناهج، لتدريب الكوادر الإفتائية وتمكينها، وخلق بيوت الخبرة، وسن مزيد من القوانين والتشريعات المُعَزِّزَةِ لأخلاقيات الاستدامة في التعاطي مع القضايا المعاصرة والذكاء الاصطناعي، سعيا إلى ضبط الفتوى العامة، وفتاوى المستجدات العلمية.
5-تأكيد مكانة الفتوى الشرعية وأهميتها في استقرار المجتمعات العالمية، وما لها من دور بارز في تحقيق التنمية والازدهار الحضاري، وتوضيح بطلان المفاهيم المغلوطة التي تزعم التعارض الموهوم بين الدين والعلم، والتصادم المُخْتَلَقَ بين العلوم الشرعية، والعلوم الطبيعية والكونية، وبيان أن تعاليم الدين الحنيف ومبادئه منسجمة مع الحياة وتطوراتها العلمية؛ ولذلك فإن الفتوى في روايتها السليمة، ووفق الضوابط العلمية والشرعية تتناغم مع كل ما يُسْهِمُ في خدمة البشرية، وتحسين جودة الحياة، وترسيخ مبادئ العيش المشترك.
وفي هذا الصدد اعتبر المشاركون في المؤتمر أن «نظرية الاستيعاب الشرعي» ومناهجها الحضارية بشقيها النظري والتطبيقي، تشكل منهجية علمية مُحْكَمَةً، تُوَسِّعُ النظر في أوعية الاستنباط، ومُوَلِّدَاتِ الأحكام، وترتقي لصناعة الحلول المستقبلية للتحديات، وذلك وفق تناسق معرفي منضبطٍ تتفاعل فيه عناصرها الرئيسة الثلاثة:(الفتوى الشرعية، والمستجد العلمي، وأخلاقيات الاستدامة).
كما أكدوا ضرورة الاعتناء ببناء المفاهيم الكلية عبر «نظرية الاستيعاب الشرعي»، وضرورة إشراك الخبراء في تحرير المصطلحات ذات الصلة بالمستجدات العلمية، وأهمية تحقيق التكامل، وتعزيز أوجه التلاقي بين المؤسسات الإفتائية الشرعية، وبين المؤسسات العلمية بمختلف مجالاتها وتخصصاتها، في شتى ميادين الحياة: (الطب، والفضاء، والمناخ، والذكاء الاصطناعي…إلخ.) وصولاً إلى مقاربات شرعية، وأخلاقية، وقانونية، وحلول واقعية تتواءم مع الحاجات الإنسانية وترشدها من أجل مجتمعات أكثر أماناً واستقراراً.
وحث المشاركون-أيضا-الهيئات الإفتائية، والعلمية على الاستفادة من المنهجية العلمية للاستيعاب الشرعي، وتحقيق المناط في فتاوى المستجدات العلمية، ودعوا العلماء إلى الاجتهاد كما اجتهد مَن قبلهم، فوسّعوا المفاهيم، وحققوا المناط، وخرَّجوا الفروع على الأصول، وربطوا بين الأحكام ومقاصدها، والفروع وقواعدها، وطوّروا لكلّ حال أحكامها.
وأكدوا أهمية «الفتاوى الجماعية المؤسسية»، وضرورة دعم المؤسسات الإفتائية بخلق مساحات اجتهادية جماعية تحت مظلة الدولة الوطنية، ونبهوا على خطورة الفتاوى الفردية في المستجدات العلمية، مشددين على تفعيل أدوار المؤسسات الإفتائية الوطنية، وحَوْكَمَةِ منتجاتها المعتدلة، وتهيئة البيئة العملية، وإنشاء مختبرات تخصصية للارتقاء بمنظومتها عبر التطوير المستمر، والتأهيل النوعي، والانفتاح الواسع على العلوم والثقافات المتنوعة.
واعتبر المشاركون أن «المحدد الأخلاقي» أحد أهم مرتكزات صناعة فتاوى القضايا المستجدة، ويُعد الضامن الآمن لأخلاقيات الاستدامة، وخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الرقمية وما تثيره من تحديات، مما يستلزم العمل على تطوير معايير تضبط أخلاقيات التعامل مع التطورات المتسارعة، إذ أن منظومة القيم هي الخيار الأمثل والحل الأنسب للتوازن بين التقدم العلمي والقيم الكونية، سعياً إلى تنمية الضمير الأخلاقي لدى المجتمع، وأجياله الناشئة.
وأكدوا أن النظر في القضايا العلمية المعاصرة له خصوصية، حيث يجب أن يُرَاعِيَ التشريعات والقوانين السارية في الدول الوطنية، مما يدعو إلى تعميق أواصر التنسيق والتواصل بين المؤسسات الإفتائية، والجهات القضائية للقيام بمهامها الرئيسة لملء الفراغ في المستجدات العلمية وقضاياها.
6-العناية بالمؤسسات التعليمية، والأكاديمية، والجامعات عن طريق تصميم مساقات أكاديمية تؤسس لنظرية: “الاستيعاب الشرعي للمستجدات العلمية”، وتطبيقاتها الواقعية بمختلف جوانبها النظرية والتطبيقية، وذلك عن طريق التنسيق مع المؤسسات، وجهات الإفتاء الشرعي. وأعلن المؤتمر إطلاق «جائزة الإمارات العالمية للدراسات الإفتائية والاجتهاد الحضاري» التي تُمنح للمؤسسات الإفتائية، والأبحاث المتميزة في مجال الإفتاء الشرعي، انطلاقاً من الرؤية الاستراتيجية لدولة الإمارات، وخططها في تصميم مستقبلها، وتعزيز مكانة البحث العلمي، بالإضافة إلى دعم الباحثين في شتى المجالات، وتوفير السبل والأدوات المعرفية كافة للارتقاء بمنظومة البحث العلمي التي تسهم في خدمة الإنسان ورفاهيته، وتحقيق التنمية الوطنية الشاملة، وتحافظ على الهوية الثقافية والإرث الحضاري، وتهدف الجائزة إلى تشجيع المؤسسات الإفتائية الرسمية للتنافس الإيجابي في مجال البحوث والدراسات الإفتائية، وتمكين البحث العلمي، والدراسات الجادة في تطوير المنظومة الإفتائية، وتفعيل الاجتهاد الحضاري في القضايا الفقهية المستجدة، وتعزيز مساهمته في مجالات التنمية، فضلاً عن تعزيز القيم الإنسانية، وترسيخ مبادئ الاعتدال والتسامح في صناعة الفتوى الشرعية.