الموضوع: حكم المال العام

بسم الله الرحمن الرحيم
الفتوى رقم: 679/ م.أ.ف.م

الموصوع: حكم المال العام

السؤال: يتعلق بميزانية تسيير المال العام، وما قد يقع فيها من التحايل والتجاوزات والإجراءات الصورية بغية الحصول على تلك الميزانية.
فما الحكم الشرعي في الإجراءات الصورية التي يقوم بها المسير للحصول على مخصصاته من الميزانية، واجتهاده في صرف مخصصات بنود معينة في مصاريف أخرى إما عامة لا توجد لها أبواب في الميزانية أو خاصة استيفاء لما قدر أنه أنفقه في حاجات المفتشية من راتبه؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه؛
أما بعد: فإن ميزانيات التسيير جزء من المال العمومي الذي تتعلق به مصالح الأمة جميعا، وله حرمة بالغة في الشريعة ويحرم الأخذ منه بغير حق، أو التقصيرُ في حفظه وحسن تدبيره فلكل المسلمين فيه حق لا يضيع بين يدي رب العالمين، فالواجب على المسلم الذي أسند إليه تسيير شيء منه أن يقوم به على الوجه المرسوم له بما يحقق المصالح العمومية التي تم رصده لها، وأن يعمل اجتهاده فيما هو أكثر لتحقيق هذه المصالح لكن في حدود مجالات الصرف المحددة له.
وعليه أن يحذر كل الحذر من أن يخل أو يقصر في تنفيذ ما أسند إليه من مهام تتعلق بمسؤوليته التكليفية فضلا عن أن يقوم بالغلول، قال تعالى:﴿ وَمَنْ يَّغْلُلْ يَاتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِۖ ﴾[آل عمران، الآية:161]
وقد ثبت من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: ” لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ.” [صحيح مسلم]
فواجب المُسَيِّرِ السائل كغيره من المُسَيِّرِينَ أن يتقوا الله في أنفسهم فلا يُعَرِّضُوهَا لسخط الله والعقوبات الدنيوية المذلة والمشينة، والأخروية التي لا طاقة لهم بها ولا فكاك لهم عنها إلا أن يتجاوز الله عنها، وأن يتقوا الله في المجتمع والأمة فلا يُعَرِّضُوا مصالحها واقتصادها للانهيار والخراب بالغلول والفساد وأن يذكروا الحديث: «لا تَزُولَ قَدَمَا ابن ءادم يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْس عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكتسبه، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ.» [رواه الترمذي في سننه]
وعليك أيها المُسَيِّرُ أن تتخذ مُوَرِّداً أمينا لا يحيف فيما يأخذ من أرباح فتقدم إليه الطلبات حسب البنود حتى يوفر لك الحاجات من أدوات ولوازم تستخدم منها ما احتجت له في مصلحة المؤسسة، وكذا الحال في المحروقات، تطلب توفير بطاقات المحروقات وتوثق استلامها وإذا احتجت لتكاليف الاستقبال استدعيته ليوفر لك المؤن اللازمة، وإياك وأخذ النقود، وهكذا بقية البنود.
ثم إذا وفر المُوَرِّدُ الحاجات وقام بِفَوْتَرَتِهَا وَقَّعْتَ له على ذلك وعلى الاستلام، وخَلَّيْتَ بينه وبين المحاسب.
والحذر الحذر من أخذ المخصصات نقودا وجعلها في الجيب أو صرفها في جهة أخرى فإنك غير مخول بذلك، بل يعتبر ذلك خيانة للأمانة وتعاونا مع المُوَرِّدِينَ على الإثم والعدوان وأكل المال الحرام والمعاملة بالربا الموعود عليه بحرب من الله ورسوله.

والله الموفق.

زر الذهاب إلى الأعلى